فلمْ تعتدْ "سلمى" على الفرحِ يومًا بل كانتْ ترتشف صورًا مُهترِئة كلّ صباح, وتغمسها في كوبِ ذكرى تحتضر...
اليوم انسلخَ الألمُ عن كلِّها وامتطتْ شهقاتُ روحها أنفاسًا شقيَّة, وحلّقتْ بعيدًا نحو نعيمِ عينيه...
غرامٌ آسر بملامحِ قهوة فجريّه, ما أحوجها إليه بعدَ غفوةٍ عشقيّه!
ذاتَ عهد ارتشفتْ شهقات الصّباح بكأسِ زهر أحالها إلى فردوسٍ تُقبِّلهُ الفراشاتُ برقصاتٍ تذوب على نشوةِ الغروب...
كعادتها تعشق انبلاج عينيه وكعادتهِ يتوقُ لانتشاءِ رائحة شالها العطريّ...
لحظاتُ حنين تنخر في قلبِ "سلمى" شوقًا لأنفاسه, تُلبِسها وشاح الورد, تلوكها فرحًا فازمهرَّتْ عيناها وقامتْ نحو نافذةِ غرفتها, لمحتْ ماءً ترميهِ زمهريرةُ جنون... فاقتها الدّهشة وراحتْ تُسابق الخطوات لهفة عشق ووخزات الفرح تُطوِّقها بذراعيها.... وقفتْ تحتَ شلالِ الماء، والخَضَار يُحيطها في كلِّ اتّجاه, التمستْ قطرات عطرٍ نديّة وصرخاتها تلوح في عراءِ الصّمت مع خريرِ الماء, كانت كلّ قطرة تهطل على جسدها كحبَّةِ ضوء يُتمتمها قنديل ضلعه... ناظرتْ السّماء فإذ بوجههِ يصلب ترانيمَ الوجع بضحكاتِ عينيه, فتزداد فرحًا وهي غارقة بتراتيلِ الماء تمرح تحتَ ديمة جاردينيا بغنج...
رآها المارّون على حافّةِ الرّؤى دُهِشوا جميعًا من جنونها, وراح كلّ منهم يناظر الآخر فاتح فاه بتعجّب!
وسلمى, لا مُبالية لتجمهرهم، وراحتْ تُوزّع جرْس ضحكاتها على ساقِ سوسنة وتلفّ فتنة الياسمين بشرائطِ الرّحيق...
صباحٌ صاخب برقصاتِ "سلمى" تحتَ أضواءٍِ غنّاء وفستانها الأبيض يترنّم بابتساماتٍ خجولة, وطرقات كعبها الخفيفة تختالُ كفراشة...
قرنفلاتٌ ملساء تناثرت حولها, باتت سلمى كأميرةٍ تأسر رجولةَ فارس أسكرتهُ لمعةُ عينيها...
فجأة, دقّات نور انبثقت, خطفتْ ارتباكَ سلمى فالتفتتْ وشعرها الورديّ تتراقص نسائمه بخفّة وإذ بفارِسها يأتي وشوقه على رنينِ صداها... فرحةٌ فاقتْ أيّ فرحة وبسماتٌ لؤلؤيّة اصطفّت على شفتيها, خفقات قلبها المشاكسة تصنع ثورة داخل أوردتها, تمتدّ في أنحاءِ جسدها... ثملةٌ هي بنشوةِ فرح... وراح فارس يقترب رويدًا رويدا وابتسامته تُضيء عالَمها فاحمرّت وجنتاها خجلاً وازدادت عيناها لمعة... ويقتربُ أكثر ثمّ أكثر وبحنينٍ يمُدّ يديه, والنّظرات من حولهما ترشقهم تحايا اللّذّة...