يعجل الله عز وجل بعقوبة الوالدين في الحياة الدنيا قبل الممات0 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل الذنوب يؤخر الله ما يشاء إلا عقوق الوالدين فإن الله يعجل لصاحبه في الحياة الدنيا قبل الممات" وفي رواية " بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا: البغي والعقوق" رواه الحاكم عن أنس وصححه الألباني في صحيح الجامع 0
ولقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم العقوق من أكبر الكبائر بعد الإشراك بالله عز وجل : عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس" رواه أحمد والبخاري والترمذي والنسائي0 وعن أنس رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله الكبائر فقال" الإشراك بالله وعقوق الوالدين"0 رواه أحمد والبخارى0
إذا فلتحذر أيها الابن ويا أيتها الابنة العقوق00 فالعقوبة عاجلة وفيما يلى بعض عقوبات عقوق الوالدين:
أولا: لا ينظر الله إلى عاق والديه:
عن ابن عمر رضى الله عنهما: عن النبي صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنان عطاءه"0رواه النسائى والبزار والحاكم0
ثانيا: عاق والديه لا يدخل الجنة:
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاثة حرم الله تبارك وتعالى عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يقر الخبث في أصله"رواه أحمد والنسائى والحاكم وصححه0
وعن ابن هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أربع حق على الله أن لا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمها: مدمن الخمر، وآكل الربا، وآكل مال اليتيم بغير الحق، والعاق لوالديه"
ثالثا: لا يقبل الله من العاق عملا
عن عمرو بن مرة الجهني قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أرأيت إذا صليت الصلوات الخمس، وصمت رمضان، وأديت الزكاة، وحججت البيت فماذا لى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من فعل ذلك كان مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين إلا أن يعق والديه"رواه أحمد والطبراني وابن خزيمة وابن حبان0
وعن ثوبان رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاثة لا ينفع معهن عمل : الشرك بالله،عقوق الوالدين، والفرار من الزحف" رواه الطبراني
0 وهكذا يتبين لنا من الأحاديث الشريفة السالفة الذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل قبول الأعمال معاقا ببر الوالدين0
رابعا: عاق والديه ملعون:
عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لعن الله من ذبح لغير الله، ثم تولى عن مولاه، ولعن الله العاق لواليه، ولعن الله من نقص منار الأرض"0رواه الحاكم
وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لعن الله سبعة من فوق سبع سمواته وردد اللعن على واحد منهم ثلاثة ولعن كل واحد منهم لعنة تكفير، قال ملعون من عمل عمل قوم لوط، ملعون من عمل عمل قوم لوط، ملعون من عمل عمل قوم لوط، ملعون من ذبح لغير الله، ملعون من عق والديه، ملعون من أتى شيئا من البهائم، ملعون من جمع امرأة وابنتها، ملعون من غير حدود الأرض، ملعون من ادعى إلى غير مواليه"0رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد0
ويعجل الله تعالى عقوبة عقوق الوالدين في الدنيا قبل الممات، هذا بخلاف عذاب شديد فى الآخرة للعاق لوالديه- وإن دل هذا على شئ فإنما يدل على بر الوالدين عند الله عز وجل0
من ذا الذي يتحمل بعد الله عنه وغضب الله عليه00 من ذا الذي يتحمل ألا ينظر الله إليه يوم القيامة00 من ذا الذى يتحمل أن يحرمه الله من مكان في الجنة00 من ذا الذى يتحمل لعنة الله عليه00
لا يفعل ذلك إلا من نسي الله فأنساه نفسه، وعابد لملذاته وشهواته، والهوى0 إن القرب الحقيقى هو القرب من الله وإن جمال الحياة في طاعة الله0
فاحرص على بر والديه حتى تقترب ويعطيك ربك فترضى وتنعم بمكان في الجنة، وتحظى بلقاء الله والنظر إليه عز وجل وتصبح من الوجوه الناضرة الناظرة إلى ربها مع النبيين والصديقيين والشهداء والصالحين0
4- التوسعة لهما في المجلس والجلوس ، أمامهما بأدب واحترام ، وذلك بتعديل الجلسة، والبعد عن القهقهة أمامهما ، والتعري ، أو الاضطجاع ، أو مد الرجل ، أو مزاولة المنكرات أمامهما ، إلى غير ذلك مما ينافي كمال الأدب معهما .
11- الاستئذان عليهما حال الدخول عليهما ، أو حال الخروج من المنزل .
12- تذكيرهما بالله ، وتعليمهما ما يجهلانه ، وأمرهما بالمعروف ، ونهيهما عن المنكر مع مراعاة اللطف والإشفاق والصبر .
13- المحافظة على سمعتهما وذلك بحس السيرة ، والاستقامة ، والبعد عن مواطن الريب وصحبة السوء .
14- تجنب لومهما وتقريعهما والتعنيف عليهما .
15- العمل على ما يسرهما وإن لم يأمرا به .
16- فهم طبيعة الوالدين ، ومعاملتهما بذلك المقتضى .
17- كثرة الدعاء والاستغفار لهما في الحياة وبعد الممات .
الأمور المعينة على البر :
1- الاستعانة بالله .
2- استحضار فضائل البر ، وعواقب العقوق .
3- استحضار فضل الوالدين .
4- الحرص على التوفيق بين الوالدين والزوجة .
5- تقوى الله في حالة الطلاق ، وذلك بأن يوصي كل واحد من الوالدين أبناءه ببر الأخر ، حتى يبروا الجميع .
6- قراءة سيرة البارين بوالديهم .
7- أن يضع الولد نفسه موضع الوالدين .
وهذه بعض صور العقوق :
كان ابنها يحرمها من كل شيء ، حيث كانت تسكن فى بيت مجاور له، وكان يدعوها للغداء، وعندما تأتى يقدم لها طعامًا غير الذى سيأكله هو وأولاده، فقد حكى لى جار لهم أنه كان يزورهم مرة، وكانت رائحة قلى السمك منتشرة فى المكان كله ، فتوقع أن تأكل أم هذا الجار من هذا الطعام، ولكنه وجدها تأكل خبزًا وطعمية ( فلافل ) أرسل ابنها فى شرائها لها ، وليس هذا فقط ، بل عندما كان ابنها يعلم أن أمه ذهبت لأحد، وأكلت يضربها ضربًا شديدًا بعد عودتها، ويمنعها زيارة جاراتها، وتمر الأيام والسنين وتموت أمه، وتكبر بناته، وتتزوج جميعهن، ولكنهن يرجعن إليه كلهن مطلقات، ويصبح الرجل فقيراً جدًا، ويموت معدمًا .
شخص كان يضرب والديه، ويجرى وراءهما فى الشارع بالعصا ، وكان الناس يحاولون أن يبعدوه عنهما، ولكن دون جدوى، وبمرور الأيام أصبح يمشى فى الشوارع يتسول، وظل هكذا حتى مات، بعيداً عن مساعدة أى من أبنائه له، وكأن الله قد ختم على قلبه ليحرمه مما حرم منه أبويه.
ومن الدعوات التى تستجاب دعوة الأم، فقد حكت لى سيدة أن أمًا كانت تقيم مع ابنتها فى منزلها مع زوجها وأولادها، وفى يوم كانت الأم تفعل شيئًا لا ترغب فيه الابنة فدفعتها الابنة بيدها، فدعت عليها الأم أن تصاب فى يدها، وفعلاً استجاب الله دعوة الأم، وأصيبت الابنة فى يدها نتيجة انزلاقها، وحدث بها جرح لا يندمل، مما اضطر الأطباء إلى بترها، وفقدت يدها التى ضربت بها أمها ، وتذكرت دعوة أمها ، ولكن بعد فوات الأوان.
وتحكى أخرى أن ابنها كان ينفق كل ماله على نفسه ، يصرف كثيرًا جدًا ، ويعاملها بطريقة فظة، وكان دائم السهر، وعندما كانت تنصحه كان يقذفها بأبشع الألفاظ، فدعت عليه أن يقلل ما فى يده، ويجعل الكثير فى يده قليلاً، فكان يكسب الكثير، ولكن ماله كان منزوع البركة لا يفى باحتياجاته رغم أنه غير متزوج.
وآخر كانت أمه تتمنى رؤيته، وهو يسكن معها فى عمارة واحدة، فكانت تنظر من الشرفة كل صباح حتى تراه ، وهو ذاهب إلى عمله ، وكانت زوجته تثير المشكلات معها ، فمثلاً بعد إعدادها العصير وإعطائه لحماتها تشربه الحماة، وبعد ذلك تقول لها الزوجة : إن فيه سمًا ، وتزوج الابن، وفعلت زوجته مثلما فعلت أمه بحماته، فمنعت زوجها من زيارة أهله ، أو زيارتهم له ، وكانت الأم إذا ذهبت لزيارة أبنائها وأحفادها ترجع فى حزن شديد من جراء سوء المعاملة ، أما الزوج، فكان يريد أن يرى ابنه، ولكنه لا يستطيع من سوء معاملة زوجة ابنه له.
كانت زوجته تأمره أن يضرب أمه ، فيفعل ويعاملها معاملة سيئة حتى مات الابن تحت عجلة قطار، استجابة لدعوة أمه عليه.
الفقر، الحرمان من عطف الأبناء ، المرض، فشل زيجات البنات.. هذه بعض ثمار العقوق الدنيوية وما فى الآخرة أدهى وأمر هل يتوقع أحد أن يجد نفسه بعد أن كان موسرًا، ويعيش فى رغد من العيش، وقد بدأ يتسول لقمة عيشه؛ لأنه لا يمتلك ثمن حتى رغيف الخبز ؟ هل تتخيل نفسك وقد شلّت قدمك، أو بترت يداك ؟ هل تستطيع أن تعيش دون مأوى وأبناؤك يعيشون حولك وقد بلغت من الكبر عتيا وفى حاجة إلى من يرعاك ؟ هذا وغيره كثير من أثر دعوة من دعوات الوالدين اللذين غضبا على ابن عاق، أو ابنة غير بارة ، فاحذروا وادعو الله ألا تكونوا من هؤلاء ، وأن تكونوا ممن يطيعوا الأمر الإلهى "ولا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما".
لا تغـتــر
ممكن أن يعيش الإنسان العاق لوالديه فى الدنيا سليم الجسم ، والصحة ، رزقه واسع ، وأولاده صالحون، فلا يشعر بأنه قصَّر فى شيء، بل على العكس، فإنه يحدث نفسه بأن الله لن يعاقبه، وأنه لا يفعل شيئًا خطأ، طالما أن الله يعطيه كل شيء يريده، ويغتر بذلك، وعندما تحين لحظة الاحتضار وقبل خروج الروح تأتى العقوبة، فتأبى روح العاق أن تخرج بسهولة، و قد لا يستطيع نطق الشهادتين ، فالعقوق هو السبب الأول الذى يمكن أن يُعزى إليه كل ما يصيب المرء من مصائب طوال حياته، وحتى قبيل موته بلحظات ، فهذه بعض ثمرات العقوق المرة ، جعلنا الله وإياكم ممن يبرون آباءهم، فتهون عليهم سكرات الموت